الأربعاء، 5 أغسطس 2009

نتيجة حاسمة

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


هالتني نتيجة دعائي "وإن كان شرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري؛ فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به" و درجة حسمها ولكن قدر الله وما شاء فعل.


لست أدري بماذا أبدأ كلماتي هذه المرة؟!


أكتب إليكِ وأنا زاهلة راضية مشوشة الذهن....


سافرنا بعد يومين من رسالتي قبل السابقة، نزلنا بفيلا لعمي بإحدى القرى السياحية بمصر، مكونة من طابقين العلوي لنا والسفلي لهم، قضينا أول يوم في تنسيق حاجاياتنا وتحديد ما ينقصنا لقضاء عشرة أيام وما نحتاجه لتحضير بعض الأطعمة البسيطة كشأن المصايف.


وحينما حل المساء اقترح عمي علينا الذهاب إلى سينيما القرية لمشاهدة فيلم الموسم.


كان أول يوم رائعًا ولم أشعر فيه بقيود كما كنت متخيلة؛ فبساطة من أمامك تبعث عليك الإستبساط معه.


في صباح اليوم التالي كان عليَّ وعمتي الذهاب إلى المركز التجاري بجوار القرية لنتبضع بعض الأغراض.


ولست أدري أكان لحُسن حظها –أي عمتي- أم لسوء حظي أن اضطرت -عمتي- للعودة إلى المنزل وتركتني أُتم شراء باقي الأغراض، وقد ساعدها على ذلك سهولة التجول بالقرية فلن تقلق بأن أضل الطريق.


وما هي إلا قرابة ربع الساعة منذ رحيل عمتي حتى دوى صوت ارتطام تبعته أصوات جلبة و صياحات بعض الناس على الطريق، حتى أن كثيرًا من المتسوقين بالمركز التجاري وبعض الباعة خرجوا ليستطلعوا الأمر.


وكما هي عادتي -عدم الإكتراث لما هو ليس من شأني- سعيت لإكمال تسوقي وخاصة أنه لم يتبق لي الكثير لأنجزه.


انتهيت من التسوق وأثناء ذلك رقى إلى سمعي من كلمات المارة أنه "عربة نقل كبيرة تصادمت وإحدى عربات الملاكي وأن الإسعاف لم يصل بعد ولحمد الله لم يكن بالعربة الملاكي سوى سائقها" تأثرت كثيرًا لما سمعت وكعادتي لم أستطع منع إنقباضة قلبي ولا السيطرة على تدفق دموعي في مثل هذه المواقف.


ولست أدري من الأحداث بعدها كيف سارت سوى أنني خرجت من المركز التجاري -في طريقي للفيلا- وإذا بجارة لنا –تعرفنا إليها اليوم السابق بالسينيما- تطبطب عليَّ مرتاعة وهي تغمغم "الصبر يا بنتي الصبر".....


لمحت -من خلال المتجمهرين أمام موقع الحادث- شكل العربة الملاكي –الخضراء- وقد تهشمت إلا مايقل عن نصفها والمتطوعون يحاولون سحبها من أسفل العربة النقل.


زاهلة، مغيَّبة، واهمة وكأنني بآلة زمن تنقلني سريعًا ما بين ماضٍ فمستقبلٍ وحاضر، سلسلة من المشاهد تمر أمام ناظري، ولم أدرِ بعدها إلا وأنا على فراش بإحدى غرف الفيلا، والدتي إلى جواري ممددة بملابس سوداء، شاحبٌ وجهها، تعمقت نظراتها إلى اللاشيء فهي ساهمة، وما أن انتبهت لي حتى أفصح ثغرها عن ابتسامة هي أقرب للحزن عنها للسعادة؛ تحمل معانِ القلق، وتفوهت بكلمتين –أو هكذا سمعت حينها- "أنتي كويسة؟!".


علمت -بعد مرور ثلاثة أيام على الحادث- أنه وبمجرد التصادم فاضت روحه إلى بارئها، وكما قال الأطباء أنها من رحمة الله به؛ فقد كانت إصاباته جسيمة أدت إلى خسائر بالغة في جهازه العظمي على الرغم من عدم تأثر الجمجمة بشكل كبير -وهذا أيضا مما يدهش من رحمة الله بعد هول الحادث- إلا أنه لو كان على قيد الحياة بعد هذا الحادث لكان عانى أكثر وعانينا نحن معه أكثر من معاناتنا بالحزن لمماته.


كما علمت أنه من رحمة الله بي لم يصمد جهازي العصبي أمام ما كنت مقبلة عليه فأغشي عليّ في موقع الحادث وقد تطوع أحدهم برفقة جارتنا بنقلي للفيلا، وقد أصبت بصدمة عصبية بسيطة وصف لي الطبيب على إثرها بعض المهدئ وقد كان من لطف الله -كما أخبرهم الطبيب- أن لم أشاهد تفاصيل الحادث عن كثب أو شكل المتوفي؛ وإلا دعت الحاجة لنقلي للمستشفى.


وعلى الرغم مما حدث، وبالرغم من ردة فعلي اللاإرادية، إلا أنه تبين لي أن ماعتراني من حزن وألم لم يكن مبعثه فقدان حبيب على قدر كونه شعور بالأسى على فقيد الشباب الإبن الوحيد لأسرته ذو الخلق الطيب والمستقبل المشرق، وفكرة أنه كان راغبٌ فيّ.


إحساس دعاني لإدراك تفاهة الدنيا وتخيلي لنفسي لو كنت موضعه، احساس دعاني للإمعان في تخيل الحياة الآخرة ويوم الحساب.


ولكنني وعلى الرغم من هذا -وقد مر على الحادث ما يزيد على الشهر- عجبت لصمود عمي وعمتي وخاصة وقد أخبرتني والدتني أن عمتي لم تذرف لها دمعة واحدة أمام الناس. ظننت في بادئ الأمر أنه من فرط حزنها وصدمتها تبلدت مشاعرها -فأحيانًا تعجز النفس عن التعبير عن هول ما يصيبها من مصائب فتؤثر الصمت أو ردود الفعل المغايرة كالضحك الهستيري أو ما إلى ذلك- ولكنني لمست بعد ذلك أن صبرها كان نابع عن قوة إيمانها بالله والقضاء، كما أنها رفضت ارتداء السواد وآثرت الأبيض عنه؛ فقد استودعت ابنها شهيد عند الله؛ فقد كان مسرعًا في مهمة إنقاذ حياة مصاب كطبيعة عمله كطبيب جراح.


وبطبيعة الحال نزلت شقيقته الكبرى وزوجها من سفرهما؛ لتلقي العزاء وقد قررت -أي شقيقته- قضاء نصف العام بصحبة والديها بمصر للإعتناء بهما والنصف الآخر مع زوجها حيث هاجرا وسيساعدها في ذلك حصولها على جنسية ذاك البلد -بعد إنجابها به- فيصبح من اليسير عليها التنقل وقتما شاءت.


هذا وبالرغم من هول الفاجعة إلا أن الصبر مدعاة للصبر؛ فصبرهم صبّرنا وبصبرنا ازدادوا صبرًا على صبرهم.


إنا لله وإن إليه راجعون

اللهم نسألك حُسن الخاتمة

اللهم نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار.


 

مُعجِزات © 2008. Design By: SkinCorner